إنّ المرأة باعتبارها إنساناً وموجوداً يحمل أمانة السماء كباقي الموجودات المسؤولة في واقع الحياة، لابدّ وأن تكون موضع اهتمام القرآن الكريم، باعتباره الدستور الحيّ الذي قدّم للإنسان (رجل وامرأة) نظاماً شاملاً يتكفل حياتهم في جميع مجالاتها بالتشريع والتنظيم. حيث بعث في السابق ولا يزال يبعث في عالمنا الجديد نوراً قوي الوهج، أضاء طريق البشرية في سيرها الحثيث المتقدّم نحو حياة أفضل وعيشة كريمة. فقد حظيت المرأة باهتمام القرآن، والحديث عنها نال مساحة واسعة منه. كما في سورة النِّساء وسورة البقرة وسورة المائدة، والنور، والأحزاب، والمجادلة، والممتحنة، والتحريم، والطلاق. بل والأكثر من ذلك نرى القرآن الكريم قد خصص سورة كاملة للحديث عن النِّساء وسُمِّيت بسورة (النِّساء) المذكورة آنفاً لاشتمالها على كثير من المفاهيم والأحكام الشرعية المتعلقة بالنِّساء.
إنّ القرآن ليس فيه سورة واحدة اسمها الرجل أو الرجال، بينما خصص القرآن سورة للمرأة تكريماً، هي سورة النِّساء، حيث عرض لحقوق النِّساء ولحياتهن الأُسرية في جوهر السورة. بل إنّ أولى آيات سورة النِّساء هذه تُلّحُ على أنّه لا فرق بين أصل المرأة والرجل، بل تُلحُّ أكثر من ذلك على المساواة بين الجنسين، مُوصِيةً بالمرأة في الآية ذاتها أيّما توصية، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النِّساء/ 1). إنّ القرآن، وهو الكتاب الحكيم الذي لا تناقض فيه ولا اختلاف فضلاً عن وحدة النُّظم والنُّسق والتكامل فيه، يوجه الحديث مخاطباً الرجل والمرأة معاً، دون تفريق بينهما، كلاهما على اختلاف الجنس عضو في الأُمّة، عامل فيها بما هيأه الله له، وخلقه له، وما منحه من طاقة، خاضع لشروط الوجود التي تسوي بين المخلوقات من ذكر وأنثى.
شيّد الله تعالى بناء الأُسرة على أساس المودّة والرحمة، فقد بيّن القرآن الكريم حقيقة أنّ الرجل والمرأة قد جُبِلا على سكون أحدهما إلى الآخر وميله وشعوره بالطمأنينة والدفء برفقته، فقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم/ 21). ولأنّ البيت لا يُبنى إلّا بوجود المرأة ومودّتها ومحبّتها، فقد جعل الإسلام المرأة هي التي تُنشئ عقد الزواج، فهي طرف الإيجاب: طرف إنشاء العقد وإيقاعه، ليوضِّح بشكل متميِّز حقّ المرأة في اختيار الزوج ودورها في بناء الحياة الزوجية. ويمثِّل الزوج طرف القبول، وصحّة العقد بينهما متوقِّفة على رضاهما وقبولهما معاً، فلا يصحّ العقد بالإكراه، كما إنّ لها وله أن يُحدِّدا من الشروط التي يراها كلّ منهما ويوافقا عليها، إلّا ما حرّم حلالاً أو حلّل حراماً.
ولا يستحكم هذا البناء ويدوم إلّا إذا قام على أُسس عادلة تُحفَظ فيها الحقوق والواجبات، يعزّ كلّ طرف الآخر ويراعي حُرمته ويتعاون معه في سعادة هذه المملكة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بمعانيها ومضامينها، ولذلك فإنّ الإسلام ضمنَ للمرأة حقوقها، في مقابل ما تقوم به من دور وتنهض به من مسؤوليات، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة/ 228). ومع كلّ هذه الشرائط، راحَ الإسلام مرّة بعد مرّة يؤكِّد على ضرورة رعاية المرأة وحفظ كرامتها ومعاملتها بلُطف ومحبّة ورفق، فيؤكِّد تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النِّساء/ 19). ورُوِي عنه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «ما أظنّ رجلاً يزداد في الإيمان خيراً إلّا ازداد حبّاً للنِّساء».. فالنِّساء مظهر للخير وللرحمة، وموطن للجمال والفتنة، والإنسان مجبول على حبِّ الجمال والميل للخير والأنس بالرحمة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق